الرجوع الى صفحة المقالات

العزلة: قرار ام فرار؟

قد تكون العزلة قرار وقد تكون فرار، تجربتي مع العزلة وكيف ساهمت في بنائي و اعادة تكويني من جديد.

مساحتي الآمنة جدًا

في كثير من المرات التي لا أذكر عددها كانت النجاة. كانت تنقذني من حتمية الغرق أو السقوط كانت منطقتي الآمنة التي تعيد ترتيبي وتهذيبي من جديد لأواجه العالم أو أعود إليه بنسختي الافضل لا الأوجع. 

أتحدث هنا عن واقع تجربه قد لا يصرح بها البعض، والبعض الاخر كل ما يدركه عن العزلة كونها لا تخرج عن أمرين إما الخوف أو الضعف.. اما انا! باستطاعتي ان اجزم بانها القوة والمكان الذي اعادني الي بكل مره شعرت بها بأنني أضيع من جديد. لمن يعرفني يعرف أنني لم أعد اُفَضِّل التحدث كثيرًا وعلى الأخص حينما لا اكون بخير، قد اُفَضِّل القهوة حينها والكثير من الصمت الذي بوسعه أن يعيد ترتيب الأحداث من جديد ومكاني ايضا.

وقبل أن أدرك بأن الصمت والعزلة هما أكثر ما يجيدا حل ما يحدث معي وتفسير ما أشعر به، كنت اظن كما يظن الجميع بأن كل معتزل يرافقه خلَلٌ ما يحجبه عن العالم ولم أدرك ابداً حينها بأن حجب نفسك عن العالم حينما يتطلب الامر ذلك هو شفائك الوحيد. لا بكثرة الكلام ستشفى ولا بالشكوى ستجتاز الأمور، بإمكانها العزلة فقط أن تحتويك ما أن تنتمي اليها بالوقت المناسب، ومنذ معرفتي جيدا لقيمتها وانا انسحب إليها ما ان يتطلب الامر احتضان نفسي وجمعها من جديد.

المعتزل يعتزل كل ما يؤذيه، ولكنه يقترب من نفسه كثيرا، يلتزم الصمت عن الجميع، ولكنه يتعلم ان يتحدث مع نفسه وان ينصت لقلبه وعقله معًا ليعود لطريقه وهو يمضي بصوت واحد رزين يكفي لأن يرشده، لا بأصواتٍ كثيره لا يعلم أيًا منها ينتمي إليه ويقول الحقيقة. كم كلفني معرفه هذا؟ عمرًا من عدم الانتماء لنفسي آلافًا من الكلمات المهدرة بغير مكانها، الكثير من طلب المساعدة، والاكثر من الألم دون جدوى. كانت هذه ضريبة معرفتي بأن المرء من بعد الله سبحانه وتعالى لا تنقذه إلا نفسه ولا يعلم ما بنفسه غير نفسه ولا يقومه للصواب الا ارادته.

لم أخرج من حزني الا بانشغالي به ولم أشف من المي الا بمداواته ولم يفهم ما خلف كلماتي الا قاموسي ولم يكن بوسع أحد أن يكون انا غيري انا. فما كانت العزلة الا انا وصوتي الذي كان يضيع مرارا بين أصوات الكثير. وما ان سمعته، بات باستطاعتي أن اسمعني بوضوح وافهمني واعرف جيدا متى يجب ان اعود لي كل مرة.

العزلة زاوية صغيرة يقف فيها المرء أمام عقله
دوستويفسكي

هنا اختم كلماتي باتفاقي مع هذا الاقتباس واترك لك اجابتي الشخصية المتواضعة عن سؤالنا في بداية المقال "هل العزلة قرار ام فرار؟" لأقول: بأن العزلة الحقيقية "اختيار" والاعتزال عن الحياة "فرار" وما بينهما يكمن في معرفة الإنسان لنفسه أو ضياعه عنها.


عزيزي القارئ شكراً انك وصلت هنا، إذا حاب تتطلع اكثر على الموضوع اخترت لك المصادر التالية: